فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}
هذه الآية تشرح الآية التي سبقت خواطرنا عنها، وهي قوله الحق: {وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]
والذين فرقوا دينهم نسوا أن الدين إنما جاء ليجمع لا ليفرق، والدين جاء ليوحد مصدر الأمر والنهي في الأفعال الأساسية فلا يحدث بيننا وبين بعضنا أي خلاف، بل الخلاف يكون في المباحات فقط؛ إن فعلتها فأهلًا وسهلًا، وإن لم تفعلها فأهلًا وسهلًا، ومالم يرد فيه أفعل ولا تفعل؛ فهو مباح.
إذن الذين يفرقون في الدين إنما يناقضون منهج السماء الذي جاء ليجمع الناس على شيء واحد؛ لتتساند حركات الحياة في الناس ولا تتعاند، وإذا كان لك هوى، وهذا له هوى، وذلك له هوى فسوف تتعاند الطاقات، والمطلوب والمفروض أن الطاقات تتساند وتتعاضد.
والشيع هم الجماعة التي تتبع أمرًا، هذا الأمر يجمعهم ولو كان ضلالا.
وهناك تشيع لمعنى نافع وخير، وهناك تشيع لعكس ذلك، والتشيع على إطلاقه هو أن تجنمع جماعة على أمر، سواء أكان هذا الأمر خيرًا أم شرا. {إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ...} [الأنعام: 159]
إذن هم بعيدون عن منهجك يا محمد، ولا يصح أن ينسبوا إلى دينك؛ لأن الإسلام جاء لإثبات القيم للوجود مثل الماء لإثبات حياة الوجود. ونعرف أن الماء لا يأخذ لونًا ولا طعمًا ولا رائحة، فإن أخذ لونًا أو طعمًا أو رائحة فهو يفقد قيمته كماء صاف. وكذلك الإسلام إن أخذ لونًا، وصار المسلمون طوائف؛ فهذا أمر يضر الدين، وعلينا أن نعلم أن الإسلام لون واحد. {... إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]
إن شاء سبحانه عاجلهم بالهزيمة أو بالعذاب، وإن شاء آجلهم إلى يوم القيامة. اهـ.

.بحث بعنوان: كلنا في خدمة النبيّ صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلّم كما تحبه:

للشيخ محمود غريب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وسلام على النبيّ المصطفى، أما بعد:

.الفئات الثلاثة الناجية:

قبل أن أتحدث عن الفئات الناجية هناك حديث للنبيّ صلّ يارب عليه وآله وبارك وسلّم كما تحبه وترضاه آمين.
يكثر سؤال الشباب عنه في كل بلد أزورها أو يوجهه الشباب لكل ضيف من الدعاة إنه حديث: «تنقسم أمتي ثلاثة وسبعين قسما» رواه أبو داود ولم يروه البخاري ومسلم.
وأول الحديث: «تنقسم اليهود سبعين قسما، وتنقسم النصارى اثنين وسبعين قسما، وتنقسم أمتي إلى ثلاثة وسبعين قسما، كلها في النار إلا واحدة».
فكل جماعة تربي أتباعها على أنها هي الطائفة الناجية وغيرها في النار.
وأحب أن اسأل الشباب: لو قلت لهم: إن الطالب الأول أخطا سبعين خطأ، والثاني أخطأ اثنين وسبعين خطا، والثالث اخطأ ثلاثة وسبعين خطأ، فأي الثلاثة أسوأ؟
لا شك أن الأكثر فرقة هو الأبعد عن الصراط من اجل هذا لابد أن نعرف من هي الأمّة التي تفترق ثلاثا وسبعين فرقة قبل أن ننشغل بالبحث عن الفرقة الوحيدة الناجية.
هل هي أمّة الإجابة أم أمّة التبليغ؟؟
كلمة أمّة محّمد- صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلم كما تحبه وترضاه آمين- تستعمل ويراد بها الذين امنوا بالله تعالى ورسوله والكتاب الذي انزل على رسوله والكتب التي أنزلت من قبل فورثت هذه الأمّة هدي الجميع.
وهذه الآمّة توحدت في الأرض يوم وحّدت ربها في السّماء، وقد حفظها الله تعالى من الاختلاف الذي ابتليت به الأمم السّابقة، فالأمم السّابقة اختلفوا إيمانا وكفرا.
قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} البقرة 253.
هذه امّة محّمد- صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلم كما تحبه وترضاه آمين- التي استجابت والخلافات فيها لا تخرج من الدين ولا توصل للنار.
أمّا أمّة التبليغ فحجمها حجم كل البشر الذين أرسل الله إليهم محّمدا، ومحّمد قد بعثه الله لكل العالمين.
صلّ يا رب عليه وآله وبارك وسلم كما تحبه وترضاه آمين.
هي امّة محّمد أيضا؛ لان الله اوجب علينا أن نبلغ دعوته، ولكنهم رفضوا دعوته، واختلفوا ثلاثا وسبعين فرقة.
والمراد من العدد الكثرة والمبالغة، وليس العدد الحسابي.
وهذا موجود في اللغة والقرآن، وقد سميت هذه الأمّة بمجتمع الايّات، أعني يهودية- نصرانية- شيوعية- وجودية- بهائية قاديانية- ألف- ايّة- تختلف فيما بينها وتتفق على عدائها للإسلام، وبهذا نفهم أن امّة الإجابة ناجية.
وأمّة الإجابة الناجية ثلاث طوائف حددهم القرآن/
الطائفة الأولى: المهاجرون:
جاء هذا في سورة الحشر: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحشر 8 وختم الآية الكريمة القرآن بقوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}.
الطائفة الثانية: إنهم الأنصار:
قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر 9 وختمت الآية الكريمة بقوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
الطائفة الثالثة:
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} الحشر 10.
طوائف ثلاثة ناجية.
ثمّ جاء في الآية التي بعدها الحديث عن النفاق: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} الحشر 11.
وآخر آية الحشر: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
فالذي ليس مهاجرا ولا أنصاري فليكن محبا لهم، وليحذر من النفاق.
والترتيب نفسه جاء في سورة التوبة: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة 100.
الى هنا ينتهي كلام القرآن الكريم عن الطوائف الثلاث في السورتين.
ومجموع آيات القرآن يكمل بعضها بعضا ويفسره.
وفي سورة الأنفال: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} الأنفال 74.
اثبت القرآن أن هؤلاء الطوائف الثلاثة هم المؤمنون حقا فماذا بعد الآيات الكريمات؟؟
في سورة الحشر بعد أن تكلم عن المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان اتبع الحديث عن المنافقين: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} الحشر 11.
والترتيب نفسه للآيات في سورة التوبة فبعد أن تحدث القرآن عن السّابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وعن قوله تعالى رضي الله عنهم وتكلم عن رضاهم عنه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} آية التوبة 100.
تكلم عن المنافقين: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة 101.
فسفينة النجاة في القرآن قاصرة على الطوائف الثلاثة، وبعدهم يأتي الحديث عن النفاق.
المهاجرون قال عنهم: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}.
الأنصار: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
التابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ}.
شهد القرآن بتبعيتهم للناجين، ومن أحب قوما حشر معهم.
والآية في سورة الأنفال 74 أخبرت أنهم هم المؤمنون حقا: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ} هذا في الآخرة.
وهذا وعد من الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة 111.
ثمّ يتحدث القرآن عن الفئة الثالثة في السورة نفسها فيقول: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الانفال 75.
فالناجون ثلاثة، لا أعرف في سفينة القرآن مكانا لغيرهم، فكن معهم، فمن أحب قوما حشر معهم، فمع أيّ جماعة من الثلاث كنت فأنت ناج، القرآن يشهد لهم، هل الذين شهد القرآن لهم في حياتهم كأبي بكر رضي الله تعالى عنه، الذي سمّاه القرآن- ألو الفضل- في سورة النور بإجماع المفسرين؛ لان الآية نزلت في مقام الحديث عن براءة أم المؤمنين السّيدة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، هل بعد شهادة القرآن شهادة؟!